[center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة[/center]
أيها الناس : اتقوا الله تعالى كما أمركم بتقواه ، وحديثنا إليكم في هذه الخطبة سيكون عن مزايا الحج في الإسلام ، وأحكامه العظام ، سائلين الله لنا ولكم التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح والقبول .
فالحج هو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ، قال الله تعالى : ﴿ وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ . [ آل عمران : 97 ] . أي : لله على الناس فرض واجب ، وهو حج البيت ، لأن كلمة ﴿ عَلَى ﴾ للإيجاب ، وقد أتبعه بقوله - جل وعلا - : ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ . فسمى تعالى تاركه : كافرًا ، ولهذا مما يدل على وجوبه وآكديته ، فمن لم يعتقد وجوبه فهو كافر بالإجماع ، وقال - تعالى - لخليله : ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾ . [ الحج : 27 ] ؛ وللترمذي وغيره وصححه عن علي - رضي الله عنه - مرفوعًا : ( من ملك زادًا وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحج ؛ فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا ) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، و إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) . والمراد بالسبيل : توفر الزاد ووسيلة النقل التي توصله إلى البيت ويرجع بها إلى أهله ، مع توفير ما يكفي أهله إلى أن يرجع إليهم بعد سداد ما عليه من الديون .
والحكمة في مشروعية الحج هي كما بينها الله - تعالى - بقوله : ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ ، إلى قوله : ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ . [ الحج : 28 - 29 ] .
فالمنفعة من الحج للعباد ، ولا ترجع إلى الله تعالى ، لأنه ﴿ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ . فليس به حاجة إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه ، بل العباد بحاجة إليه فهم يفدون إليه لحاجتهم إليه .
والحكمة في تأخير فرضية الحج عن الصلاة والزكاة والصوم ، لأن الصلاة عماد الدين ولتكررها في اليوم والليلة خمس مرات ، ثم للزكاة لكونها قرينة لها في كثير من المواضع ، ثم الصوم لتكرره كل سنة ، وقد فرض الحج في الإسلام سنة تسع من الهجرة كما هو قول الجمهور ، ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الإسلام إلا حجة واحدة هي حجة الوداع . وكانت سنة عشر من الهجرة ، واعتمر - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر . والمقصود من الحج والعمرة عبادة الله في البقاع التي أمر الله بعبادته . قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ) .
والحج فرض بإجماع المسلمين وركن من أركان الإٍسلام ، وهو فرض في العمر مرة واحدة على المستطيع ، وفرض كفاية على المسلمين كل عام ، وما زاد على حج الفريضة في حق أفراد المسلمين فهو تطوع .
وأما العمرة فواجبة على قول كثير من العلماء بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل : هل على النساء من جهاد ؟ قال : ( نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ) . [ رواه أحمد ابن ماجه بإسناد صحيح ] .
وإذا ثبت وجوب العمرة على النساء فالرجال أولى ، وقال - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظغن ، فقال : ( حج عن أبيك واعتمر ) . [ رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ] .
فيجب الحج والعمرة على المسلم مرة واحدة في العمر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الحج مرة فمن زاد فهو تطوع ) . [ رواه أحمد وغيره ] . وفي " صحيح مسلم " وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا : ( أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا ) ، فقال رجل : أكل عام ؟ فقال : ( لو قلت : نعم لوجب ، ولما استطعتم ) .
ويجب على المسلم أن يبادر بأداء الحج الواجب مع الإمكان ، ويأثم إن أخره بلا عذر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ) . [ رواه أحمد ] .
وإنما يجب الحج بشروط خمسة : الإسلام ، والعقل ، والبلوغ ، والحرية ، والاستطاعة ، فمن توفرت فيه هذه الشروط وجب عليه المبادرة بأداء الحج .
ويصح فعل الحج والعمرة من الصبي نفلاً ، لحديث ابن عباس : إن امرأة رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيًا ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : ( نعم ، ولك أجر ) . [ رواه مسلم ] . وقد أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يبلغ فعليه الحج إذا بلغ واستطاع ، ولا تجزئه تلك الحجة عن حجة الإسلام ، وكذا عمرته . وإن كان الصبي دون التمييز عقد عنه الإحرام وليه بأن ينويه عنه ، ويجنبه المحظورات ويطوف ويسعى به محمولاً ويستصحبه في عرفة ومزدلفة ومنى ، ويرمي عنه الجمرات ، وإن كان الصبي مميزًا نوى الإحرام بنفسه بإذن وليه ويؤدي ما قدر عليه من مناسك الحج ، وما عجز عنه يفعله عنه وليه ، كرمي الجمرات ، ويطاف ويسعى به راكبًا أو محمولاً إن عجز عن المشي ، وكل ما أمكن الصغير فعله مميزًا كان أو دونه بنفسه كالوقوف والمبيت ، لزمه فعله ، بمعنى : أنه لا يصح أن يفعل عنه ، لعدم الحاجة لذلك . ويجتنب في حجه ما يجتنب الكبير من المحظورات .
والقادر على الحج : هو الذي يتمكن من أدائه جسميًا وماديًا بأن يمكنه الركوب ، ويتحمل السفر ، ويجد من المال بلغته التي تكفيه ذهابًا وإيابًا . ويجد - أيضًا - ما يكفي أولاده ومن تلزمه نفقتهم إلى أن يعود إليهم ، ولا بد أن يكون ذلك بعد قضاء الديون والحقوق التي عليه ، بشرط أن يكون طريقه إلى الحج آمنا على نفسه وماله ، وإن قدر بماله دون جسمه بأن كان كبيرًا هرمًا أو مريضًا مرضًا مزمنًا لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر ، حجة وعمرة الإسلام من بلده ، أو من البلد الذي أيسر فيه . لما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - : إن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : ( حجي عنه ) . [ متفق عليه ] .
ويشترط في النائب عن غيره في الحج : أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام : لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : ( حججت عن نفسك !؟ ) ، قال : لا ، قال : ( حج عن نفسك ) . [ إسناده جيد وصححه البيهقي ] .
وحج النفل تجوز النيابة فيه عن القادر وغيره ، ويعطى النائب من المال ما يكفيه من تكاليف السفر ذهابًا وإيابًا ، ولا تجوز الإجازة على الحج ، ولا أن يتخذ ذريعة لكسب المال ، وينبغي أن يكون مقصود النائب نفع أخيه المسلم المنوب عنه ، وأن يحج بيت الله الحرام ، ويزور تلك المشاعر العظام ، فيكون حجه لله لا لأجل الدنيا ، فإن حج لقصد المال فحجه غير صحيح ولا يجزئ عن مستنيبه .
الحمد لله رب العالمين وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .